الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

مريم والبحر - الفصل الرابع والعشرون

 
 
شهر أغسطس
مازالت بورتسودان محتفظة برطوبتها العالية
ودرجة حرارتها الأعلى
الجامعة لم تفتح حتى الآن بعد إغلاق طويل
علي عبدالله مابين العودة إلى بلدته بعد إنتهاء المناسبة التي أتى من أجلها
وما بين الإنتظار هنا والبحث عن عمل يجمع به بعض المال لظروف الدراسة والمعيشة التي كل يوم أسوأ من سابقتها
في البحر
في المكان المعتاد له جالسا يراقب البحر
باحثا عنها بين الأمواج
في صمت ...
شاهد سفينة تستعد للإبحار بعيدا عن الوطن
حاول قراءة الإسم المكتوب عليها باللغة الإنجليزية
تمتم كعادته
لم يستطع
ضحك على نفسه
بل على حال وطنه
ذهب بخياله بعيدا لو حملتني هذه السفينة على ظهرها بعيدا إلى أبعد بلاد العالم بعيدا عن شمس ماما أفريكا
بعيدا عن النيل
بعيد ا عن البحر الأحمر
بعيدا كل البعد عن البلاد التي أغبى خلقها سادتها ....
يخرجونا من عنق الزجاجة ليدخلونا عنقا جديد
هكذا دوما"
أبدأ حياتي من جديد أتعلم من جديد
أفضل الهندسة
لا بأس من العلوم الإنسانية
أقرأ ما تيسر من كتب دون رقيب أو عتيد
سأجد عمل بكل تأكيد
أرسل جزء من المرتب للذين يناضلون من الميلاد وحتى هذه اللحظة مع الأرض
كادحين فيها أبدا
هناك لن أجلس متفرجا سأدعم كل الناشطين في المنفى
كل التجمعات
أنقذوا دارفور
لا للإبادة الجماعية في جبال النوبة...
لا للتهجير النوبي...
كل المنظمات الإنسانية التي من أجل الوطن
سأتقن الكثير من اللغات
سيكون لي الكثير من الأصدقاء كعادتي دوما أجد أصدقاء في كل مكان
أحدثهم عن شمس أفريقيا عن الصحراء
كعادتي سأفتخر بوطني
من المؤكد سيسخرون مني
إذا كانت بلادك بكل هذا الجمال لماذا لا تبقى فيها
لن أجد ما أقوله
سأسب الساسة
هم من يجعلوننا نفارق أوطاننا ...
بعد عشرين عام سأعود إلى الوطن وإحتمال أن لا أعود
لا سأعود
من بين الأمواج
تطل روح مريم
لن تستطيع معي صبرا
أنا أريد أن أفعل الكثير
ما ذنبها
أقيدها معي
مجتمعنا لن يتركها تصبر كل هذه السنين
إذا" سأتركها حرة هنا
مع البحر
سأجدها أمامي في كل بحار العالم ...
بعض أصدقائي سيأتوا إلي هناك
بالتأكيد أكثرهم رفضا لفكرة الخروج من الوطن
عمر
متأكد أنه سيأتي
لأنه ينتظره وعدا كبير لابد من تحقيقه والوطن لن يساعده ...
ينتفض علي عبدالله من سرحانه
لا البلاد الأخرى التي أحلم بها لم يجلب لها ملك سليمان من السماء ولم يستيقظوا من نومهم و وجدوا جنتهم تلك
عانوا أيضا
لكن عملوا بإخلاص وصدق من أجل بلادهم
التاريخ والواقع يقول ذلك مروا بكل أصناف المعاناة وإستطاعوا بالعلم وحبهم لأوطانهم أن يجعلوا أوطانهم جنة
للإنسانية ....
إذا" لابد من تغيير وطننا نحو الأفضل لن أحلم أن نكون مثلهم تماما ليس الأمر بالتمني
تبعدنا عنهم الكثير
بالعمل والعزيمة والصدق نغير وفي يوم نصير أفضل منهم .
ضاع في الهم مابين وبين
حتى أيقظه من سرحانه صديقه أدروب بائع الجبنة
أدروب :
أيتكون
جبنة الليلة ماداير ؟
علي :
يا ايتكون جبنة داير لكن قروش مافي
أدروب :
يا
أشرب ساكت
وكت عندك جيب
وما تجيب زاتو
" " " " " " "
وداع ألويل :
مريم وألويل صديقتان منذ مراحل الدراسة الأولى
لم يقف اللون أوالعرق أو الدين حاجزا بينهما
رغم وقوفه حيزا بسبب الساسة و رجال الدين المتشددين ...
كل واحدة إحتفظت بدينها وعاداتها
جمعت بينهما الوطن والإنسانية
ألويل أبنوسة على الساحل أتت مع أسرتها من أقاصي الجنوب هربا من صوت الرصاص في منتصف الثمانينات من القرن الماضي
والدها جندي في القوات البحرية
إلتحق بها بعد أن ضاقت به الحياة ولم يجد عملا يسد به حاجة أطفاله الصغار.,
هارب من صوت الرصاص والفقر في أرض الجنوب
يجد المعاناة تنتظره في الشمال كأنه وقومه خلقوا من أجل الإضهاد
والمعاناة... من أجل أطفاله الصغار
كاد الرصاص أن يرفعه إلى نياليج ، ليلحق بأهله الذين حرقوا في الأرض
الخضراء هناك
لو لا تدخل روح الأسلاف
في إنقاذه ...كانت تحكي ألويل لصديقاتها ما حدث لوالدها أثناء الحرب في
الشرق ...
أصيب بطلق ناري من قبل القوات الثورية التي كانت في دور الهجوم
أنسحبت القوات الحكومية وتركت الكثير من المصابين على أرض المعركة
أخذتهم كتيبة من الكتائب الثورية الكبيرة التي كانت تدير المعارك ضد
الحكومة من الجنوب حتى الساحل في الشرق "الحركة الشعبية ...قوات التحالف
السودانية ... مؤتمر البجا ...و قوات صغيرة من الأحزاب الكبيرة...
طالت فترة غيابه مشينا القيادة ، قالوا مفقود ما معروف إذا كان حي أو ميت
بقينا ما عارفين نسوي شنو
أمي نزلت إشتغلت في بيوت الموظفين
تغسل تكنس ...
أمي رفضت إنو أنا أخلي المدرسة عشان إشتغل
قالت لازم تتعلم زي كل البنات هنا ...
الحكومة وقفت مرتب أبوي بعد شهرين
ضاقت بينا الحياة وما عرفنا نسوي شنو ... لا أهل لا أرض نزرع ، أخوي قارياي
ترك المدرسة وإشتغل مع أولاد من الجنوب في البناء عشان يساعد أمي ...
بعد سنة كاملة من الغياب وفقدان الأمل رجع أبوي للبيت
ما كن مصدقين ...
حكى إنو كان مصاب بطلقة في الصدر وأغمى عليه ، إنسحبت قوات الجيش ولامن
إحتلت قوات المعارضة أسعفوا كل المصابين ونقلونا مقر القيادة ، بعد الشفاء
حكيت ليهم عندي أطفال وزوجة وما عندهم زول
أطلقوا سراحي و أدوني قروش أصل بيها هنا
بعد وصوله بأيام ذهب لمقر القيادة
عشان يرجع الشغل
ما صدقوا إنو عايش...!
فلامن حكى الحصل
سجنوه و إتهموه إنو رجع عشان يتجسس لصالح الحركة الشعبية SPLM
بعد فترة من التحقيق والإعتقال أطلقوا سراحه ، لكن رفضوا يرجعوا الخدمة...
منها بقى شغال يومية في أي شي ...
"""
سنوات طويلة من المعاناة و الإذلال إلى أن أتى اليوم المعلوم _
الإستقلال ...
نحن شعب واحد بس الظلم كتر وبقينا كفار في نظر المسلمين
أنا مقتنعة ذي ما الزعيم قرنق ما كان بقول :
"إن العروبه او الأفريقانيه لا توحدنا وكذلك الإسلام او المسيحيه فلنكن
سودانيين قبل ان نكون اي شي آخر "
أنا في جامعتنا كنت وحدوية لكن في الفترة الأخيرة إقتنعت بخيار الإنفصال
... ظهرت العنصرية بشكلها المباشر في الصحف والدولة في صمت مريب ، صحيفة
الإنتباهة أصبحت الناطق الرسمي بإسم العنصرية الصامته التي تربى عليها
الكثيرين و تم تشكيل ما تبقى من الذين يشابهوننا في الشكل بالإسلام و شرع
الله وأننا كفار نصارى ، إقتنعت كغيري بخيار الإستقلال لوقف مهزلة إنسانية
إمتدت لسنوات طويلة منذ الإستقلال و ما قبله .
وعود أزكمت أنوفنا حتى فقدنا الثقة في كل الحلول حتى أتى اليوم الموعود و
نلنا إستقلالنا لن نجد دولة مفروشة بالزهور و الورود سنعاني أكثر لكن ليس
أكثر مما مضى بالعمل والصبر نصنع وطن أجمل ...
أنا عشت أجمل أيام عمري هنا في الشمال و بقيتوا أهلي رغم ما نسمعه يوميا في الشارع في الجامعة ... أجمل أخوات و ياريت كل الناس هنا و هناك كدا ما كان دا كلو حصل ، بس خلاس إنتهى كل شيء ... حتفضلوا طول حياتي في ذاكرتي وإن بعدت المسافات والحدود بيننا.
ألويل ومريم وبعض الصديقات كن جالسات في فرشة صغيرة لكنها أكبر من الوطن الذي لم يسع الجميع
طفن بالذكريات
مع شلالات من الدموع
و بعض الضحكات
حتى أتت ساعة الوداع
مريم :
أنا ما حأودعك لأنك قاعدة معانا بي روحك
و حيجي اليوم النقعد نفس القعدة دي ثم لا أراديا تعانقتا
في بكاء طويل ....
رحلت أبنوسة و بقيت نخلة و أراكة و تبلدية تلفحهم جميعا السموم
لم
يكن رحيل ألويل حدثا عاديا أو رحيل يمكن تناسيه مع مرور الأيام
تأثرت مريم بها كثيرا أصبحت تتذكرها في كل موقف يمر بها
صورتها على جدار الغرفة وإبتسامتها النابعة من قلب مليئ بالحب و الصفاء
كلما دخلت مريم غرفتها حيتها و تبسمت لها
تتذكر هذه الصورة جيدا أهدتها لها ألويل أيام أعياد الميلاد ...
تذكرت حلمها هي وألويل في المرحلة الثانوية بالذهاب إلى جوبا بعد وقف
الحرب بعد مشاهدة أغنية في مدينة جوبا لمطرب الشباب محمود عبدالعزيز
والمناظر الطبيعية في الأغنية ....
رحلت وحدها إلى جوبا...
أيام قليلة و تعود إلى الجامعة ، تبقت لها فترة بسيطة و التخرج
إلى الشارع المسكون بالعطالة ...
ستلاقي فيها من طالت رؤيتهم ، صديقاتها ، أصدقائها ، الخالة هدية ، الخالة
مدينة ، علي أدروب أو كما يحلو له "عمدة أروما " صاحب كشك قهوة المهمشين
...
الواحة و أركان النقاش
المد الثوري ....
"""""""
عصرا" والشمس تعلن الرحيل عن أرض الساحل
وقت الأصيل
تختفي الشمس بالتدرج خلف الجبال الشاهقة ...
النوارس في آخر طوافها على سطح البحر
معلنه إنتهاء يوم من الفرح الجميل
كعادته على رصيف الميناء جالس بعد إنتهاء زمن ورديته يراقب فرح النوارس على
سطح البحر
إحدى النوارس تبدو له مريم التي طال غيابها
لكن قد هانت اليوم الخميس آخر يوم في هذا الرصيف البائس "خمسة عشر جنيها
مقابل إثنى عشر ساعة عمل أو كما يسخر منه صديقه دولارين فقط "
حال معظم عمال الرصيف هنا
الأحد تفتح الجامعة أبوابها و يلتقي بالنورسه ، أخر شهور له بالجامعة
كعادتها تحلق في سماء الجامعة تمنح المكان وهجا و قدسية
تعطي القهوة ذلك المذاق الذي طال فقده ، يحن إلى تلك الجلسات العصرية بعد
إنتهاء ركن النقاش ويحن إلى صوتها العذب حين تصدح بكولنها الثوري
للدكتور أبكر آدم إسماعيل
نحن بنحب..
في كل بيت مدخل وجب
في كل إندايه إحتمال
في جوه فشفاش القبيله عضم..
للصلو للغابو للفرقو الأحباب..
سفر المنافي طويل إلأ الزمن غلاب
شاي الصباح أجمل
في حضره الأصحاب
تزرع براك تحصد
كل القبيله غياب
كل الوطن للناس
لاخاصه لاعامه
مهما العرق دساس
شرف الكتابه عيون
في اللوح وفي الكراس
والكراس آية علي بوابة المعبد..
ولم يحرج السؤال
سوي عيون أطفالآ حالمين بوطنآ لم يأتي بعد وإحتمال أن لا يأتي وارد ...
لقد إقتربت الساعة و يبتل الشوق ...
نهض من مكانه قاصدا مكتب الصرف في تلك الشركة الكبيرة التي يتحكم مالكها في
غذاء دولة كاملة ، دولة يطلق عليها سلة غذاء العالم وتستورد كل المواد
الغذائية من الخارج و تعاني كل الأطراف أو الهوامش من نقص الغذاء وكل
مقومات الحياة ، مما جعل سكانها يزحفون أفواجا نحو المدن ...
وصل إلى مكتب الصرف ومن خلال الشباك قابله تيار هوائي بارد حرك كل جسده
المتشبع بدرجة الحرارة العالية ...
كعادة كل الموظفين في الوطن متقوقع في كرسيه الفخم وممسكا بتلفونه متحدثا
بأعلى صوته تاركا عمله
علي عبدالله :
سلام عليكم....
لم يجد ردا"
ظل واقفا أمام الشباك منتظرا سعادة الموظف في إنهاء مكالمته غير مبال
بالعامل الذي ينتظره
طال إنتظار علي عبدالله وما جعله يصبر أكثر التيار الهوائي البارد الخارج
من المكتب ...
بعد منتصف ساعة كاملة وضع الموظف الهاتف جانبا
وسأله أها داير شنو ...؟!
علي عبدالله :
صمت قليلا ثم تنهد
عايز أصرف الشغل إنتهى
الموظف :
أصبر أصلي المغرب و أجي
علي عبدالله :
الصلاة الصلاة
بقت سمحة هسي ولاشنو
المغرب دا ليهو ساعة مرت...
نظر الموظف إليه جيدا ثم أغلق الشباك و خرج لأداء الصلاة ....
علي عبدالله تبسم سخرا من هذا الواقع الذي يوجد في كل مؤسسة خاصة أم عامة
ساعة فطور ساعة صلاة ساعة للمكيفات ساعات في مناسبات إجتماعية ...أمشي تعال بكرة ....
واقع الخدمة المدنية في هذا الوطن.
بعد زمن طويل من أداء شعائر الصلاة عاد سعادة الموظف ...
الموظف :
أها قلت لي داير شنو ؟
علي عبدالله :
داير أصرف
الموظف :
إسمك كامل و إذن العمل ....
عندك معانا عشرة أيام بمائة و خمسين جنيه مخصوم منها يومين غياب
علي عبدالله :
غياب
ما حصل غبت ساعة
الموظف : مكتوب كدا إتفضل دي ١٢٠ جنيه و وقع بالإستلام
علي عبدالله :
ما حأستلم ولا بوقع ١٥٠ ولاناقصة قرش
جيب دفتر الحضور نراجعو
الموظف :
سيب الكلام الفارغ إستلم قروشك وأمشي ....
علي عبدالله :
أنا ما شاحدك دا حقي بي عرق جبين
إنت قلت غايب يومين
وما حصل
عشان ما نتكلم كتير جيب دفتر الحضور
بعد سجال طويل أخرج الموظف دفتر الحضور و يراجع حضور علي عبدالله يجده كاملا ...
كويس إتفضل دي ١٥٠ هاك ...
علي عبدالله :
شكرا لخدماتكم الراقية...
في طريق عودته إتصل به صديقه عمر
بعد طول غياب ، طلب منه أنا يأتي إلى القهوة العتيقة التي دائما ما يقضون معظم الأوقات فيها ...
ذهب إلى القهوة ليجد المفاجأة عودة الكثير من الأصدقاء إلى بورسودان
تعانق الجميع بعد طول غياب
ناكفه صديقه أحمد :
إنت بورسودان دي سجلوها ليك في إسمك ولا شنو
علي :
يطلق ضحكته
البورت حنينة و بساطة أهلها تخليك تجي راجع بدري
أحمد :
أهل البورت و لا مريم
حينها تعالت الضحكات
سخر أحدهم
إنت زول خيالي مريم و بحر ، إنت بتطارد سراب وفي النهاية حتضحك علي نفسك
علي :
كل زول مخير إن شاالله أحب الشمس دي وأقعد إتغزل فيها ...
عمر :
حب مريم بس ...
علي عبدالله :
تبسم ثم سرح بعيدا بعد أن ركل كل الظنون بعيدا عن صديقه عمر الذي إعتبره حبيس أنفاسه بأسألته في تلك الليالي ...
وهروبه هو من تلك الأسئلة ....
هي الظنون ....
أفاق علي عبدالله من سرحانه على صوت عمر يا فردة جبنة ولا شاي ؟
علي : جبنة بدون سكر
عمر : مالك بدون سكر ؟
علي : عايز أحسها بمذاق القهوة الحقيقي ...
بعد حضور القهوة وإحتساء الفنجان الأول قال علي :
دائما الأول جميل
الفنجان الأول ...
الكأس الأول ...
الحب الأول ...
تعالت الضحكات
 
أحمد :
ركز في الكأس الأول دا شدييييد
بعد داك الحب الأول و الأخير طعم واحد ...
مرت ساعات طويلة دون أن ينتبه أحد
حتى صاح شباب الداخلية الوكت جرى و ما حنلقى "الملح "
نقوم و نتلاقى بعد باكر في الجامعة
كثير من الألوان و ريش الرسم
متناثرة في المكان
فتيات جميلات تجسدن في أوراق الرسم
إذا أمعنت النظر تحدثن معك أو تراقصن معك رقصة الجسد ...
لوحات تشكيلية أخرى
كل يفهمها حسب تفكيره
أيمن الرسام
جالس وحيدا في ركن من الجامعة
كثيرا ما يجلس وحيدا
شارد العقل
في مشاجرة مع الألوان و منازعة للوحة لم تكتمل
وجده علي عبدالله جالسا وحيدا
وبما أنه لا موضوع له فضل الجلوس مع صديقه الرسام
" " " "
أخرج أيمن بعض رسماته من حقيبة اللابتوب
أسرع علي عبدالله في أخذ الرسمات
وبدأ رحلة في عالم من الفن الجميل
قرابة الساعتين
صمت و جمال
لوحات تتحدث ....
فتيات
أولاد شوارع
بائعات كسرى
أمهات رجال
ثورات لم تنطلق بعد لكنها قد بانت في الأفق ...
بعد إكمال المشاهدة
طلب علي من صديقه الرسام
أن يرسم له لوحة تعبر عن قصته التي يكتب فيها ...
أيمن :
قصة مريم ؟
صمت قليلا
علي :
أيوا
أيمن :
أشوفا بعد داك أرسم ليك لوحة
علي عبدالله :
ما بتتشاف يا صحبي
حسها بس
ما ينفع
أقرا النصوص وبعداك إنت و خيالك الواسع وأي مساعدات ليلية تحت الطلب .....
أيمن الرسام :
حاضر
بحاول لكن مريمك دي صعب رسمها ....
علي عبدالله:
أرسم الروح إستشفها من بين النصوص ،
فيا صديقي أن تمسك أنت ريشة و تسافر بعيدا عبر الخيال لإصطياد أنثى تتزاحم
بين الألوان لتخرج لوحة متعددة الألوان ، اللوحة ترتسم أولا على جدار
الذاكرة و القلب ثم ترتسم على الورق بعد ذلك
لن تفارقك أبدا مهما تبللت الأوراق بماء الدمع أو إهترأت بعواصف الحياة و
التغيرات التي لا نضع لها حسبان
فنتفاجأ بها
قد تمزق أنت اللوحة أو تتركها في مكان ما قاصدا تركها
أما أنا يا صديقي فبنفس ما تفعله أنت مع اللوحة أفعله مع الكتابة
مريم من جعلت الحرف ينساب على القلب ثم الورق
ومابين مريم العشقية
والتي كانت المعجزة قاسم مشترك
وإن رأى الآخرون غير ذلك أو ظهرت هي عكس ذلك
الروح القدسية ...
تجمعهما ...
""""
ترك علي عبدالله أيمن غارقا في تفكيره و لوحاته و ذهب إلى الواحة مكان إلتقاء شباب القوى الوطنية المعارضة ...
المكان دوما عامر بالنقاشات و الأركان الدورية
جلس علي عبدالله
مع رفقاء النضال ...
الراهن السياسي في الوطن و حالات التفكك
التي بدأت وكانت نتاج سبعة وخمسون عاما من إدمان النخب السياسية للفشل
كل يناقش ...
تختلف المشارب الفكرية لهم لكن يتفقون ...
جاءت ترتدي ثقافات الوطن المتعددة في إحترامها ، جلست بالقرب من قلبه و هي لا تدري
لكن هو يدري
وكعادته دوما الصمت خلف تقاطع الأحلام و الأماني
هذه المرة أراد علي عبدالله أن يخرج من صمته الطويل
و يقرع باب قلبها ليزرع أحلامه و أمانيه
التي رسم لها جيدا
كعادته تهرب منه الكلمات و يعود إلى صمته النبيل
و يجلس خلف الأمنيات
شارد البال
أخذ نقاش رفقاء النضال دورته و هو جالس جسديا
عمر :
يا علي
الورقة حقت دكتور أبكر آدم إسماعيل القريناها سوا ديك إسم شنو
علي عبدالله :
شنو
عمر :
إنت سارح وين ما مركز معانا
علي عبدالله :
مرت من هنا ....
عمر :
كدي إتذكر لي الورقة ياخ فيها أركلوجيا ...
علي :
أركيلوجيا القلب ، فلكلور الأمنيات
ثم العودة من مكة إلى سنار
عمر :
بس ياها
واصل الجميع في نقاشاتهم
و ظل علي عبدالله شاردا بعيدا
و سيظل كذلك حتى لحظة الصرخة القادمة .