مريم والبحر - الفصل الثامن

الفصل الثامن

 

القمر ذهب في رحلة النوم العميقة
الظلام يأتي تدريجيا
إلى سريري في منتصف الحوش وأنا أراقب في النجوم لعلها تأتيني بنبأ سعيد...
الرياح تمارس أهزوجتها على أوراق شجرة النيم التي تتوسط المكان
صوتها تقريبا رقيق هكذا كحفيف الأشجار عندما تمر نسمة هادئة على الأوراق...
نهضت من سريري دون أن أدري إلى أين ذاهب فوجدت نفسي عند المكان الذي سميته بإسمها "تمرت مريم " عند طرف وابور الماء "المتره"
نخلتان في مكان واحد ملتصقتان ولكن تمرهما مختلف ولهما فسائل أطلق عليهما الأبناء ...
إذا النخلتان هي واحدة وأنا الأخرى ...
جمعتنا ظروف الطبيعة

""""""""""
الساعة تشير إلى الثالثة صباحا" لاصوت يعلو هنا فوق نبيح الكلاب ...
تمر النسائم محركة جريد النخيل محدثا أصوات تمنح هدوأ الليل بعض إيقاعات موسيقا الطبيعة .....
القمر يتلاشى شيئا فشيئا ويصفر إصفرار يسر الناظرين ..
ياللمفاجأة !!!
تخرج مريم من بين النخلتين لتأخذ مكانها بجانبي ..
السعادة تمنعني من التعبير ...الصمت يعم المكان كالعادة...
بعد مسافة من التأمل في هذا الوجه الذي طالما ألفته جيدا ، أحفظ كل تقاطعاته وأشيائه الجميلة ....
إنها سهرة ليلية رائعة خاصة مع إنخفاض ضوء القمر وهذا النسيم الذي يحركني أكثر فأكثر ...

الطبيعة ..
النيل ..النخلتان الملتصقتان ، نسيم النيل حتى النجوم ، كلهم سيكونون شهود على هذا اللقاء المرتقب ....
هيا
لماذا لانسبح سويا عكس التيار ؟ هل من أحد يستطيع إيقافنا ؟
العالم أجمع لا يستطيع هزيمتنا؟
رددت :
يمكننا أن نسبح عكس التيار
"""""""
قلت لها يمكننا أن نسبح عكس التيار
فأمسكت بيدها فنزلنا في بحر من الأحلام
يحملنا التيار بعيدا ثم نقاوم سويا" ضد التيار
ياالله إنه شيئ جميل
نظل نقاوم ثم نقاوم ثم نقاوم حتى تحقيق الأحلام ....
بعد هذا الإستمتاع الطويل جلسنا على شاطيئ الأحلام نحكي بعضا من الأفراح والأشجان ...
فجأة:
كفاك نوم قوم صلي وأحلب البقرة عشان نسوي الشاي....
لا أصدق هل كل ماحدث مجرد أحلام ...
هاهاهاهاهاهاها
أطلقتها ضحكة مدوية ليلة سعيدة مباركة طيبه ....
الأحلام
هي هكذا لا تأتي إلا في الأحلام وسأظل أنتظرك في نفس الميعاد....
في الصباح :

مع إشراقة شمس الصباح خرجت من البيت مسرعا" إلى تمرت مريم لعلي أجد دليلا" يؤكد أن ما حدث ليس بحلم بل حقيقة ...
لم أجد شيئا المكان كما هو مثلما تركته الأمس عند الغروب ...
نظرت إلى النخلتان الملتصقتان متى نجتمع مثلكما في تحنان وهدوء ...
متى
سؤال أجابته مزيدا من الصمت والكتمان وإنتظار المدعو القدر ....
منزل محمد الحسن :
إختلاط أصوات الفرح مع بكاء الشوق إنه الشوق الدفين لقد طال الإبتعاد عن البلد
النيل ...
المستقبلون ضاقت بهم ساحة المنزل ..
هذا يقالد وهذا يسالم مهرجان من الشوق والفرح عما المكان ...
روح مريم ملأت المكان جمالا وإبتهاجا .
الحاجة بخيته :
تعالي جاي يا حشاي ما شاالله ما شاالله كبرت وبقيت عروس ...
مريم :
كيفك يا حبوبه وكيف صحتك وأنا مبسوطة إنو شوفتك.
الحاجة بخيته :
أنا ذاتي مبسوطة وشوفتك عندي بالدنيا
يدخل محمد الحسن :
يلا يا حروم جهزن الغدا للرجال وكت الغدا جا ..
بعد تناول كرامة الوصول وشراب شاي بعد الغدا والشمس تنحني على النيل معلنة الغروب ...النيل ...الغروب ...النخيل ...أشجار المنقا .... مريم كل هذا الجمال يتلاقى لتعلن الأرض ميلادها و عيدها من جديد ...
قبل حلول المغرب تخرج مريم وقريناتها من بنات البلد لملاقاة الحبيب الذي طال البعاد عنه والشوق واللهفة في الشرب من مويته وخرت الرطب من نخيله ...
وصلت إلى قيف البحر بعد أن شقت غابات من أشجار النخيل والمنقا كبرق بين السحب ...
نسائم الأصيل تمر على وجهها الحسن لتقرأها السلام ....
وقفت شامخة أمام تبختر النيل
مازال النيل يجري
النيل بخير إذا سنكون بكل تأكيد بخير ....
وقفت برهة من الزمن في صمت عميق ربما رجعت بالذاكرة إلى الوراء ، يشق الصمت صوت صديقتها هاك الرطب يامريم ....
ياسلام ...
مريم :
زير العربي أحمد بكون فيهو موية
صديقتها :
أي بكون فيهو
مريم :
يلاك نشرب منو مويتو ساقطي "بارده "
وجدت أحمد راقدا في عنقريبه الصغير المنسوج من العشميق وهو يضع سفة ضخمة في شفته الأمامية "دقار "
وسارح بعيد من نسيم العصير دا...
مريم :
السلام عليكم يا عمي أحمد
يقف على السرير ،أهلا أهلا أهلا بالمبروكة بت المبروك ...
حمد لله على السلامة جيت إتغديت وسلمت علي أبوكي بس ما قدرت أسلم على الحريم كان زحمة...
مريم :
الله يسلمك يا عمي
كيف صحتك؟
أحمد: نصيح ومافي عوجة
مريم :
جينا نسلم عليك ونشرب من زيرك السمح دا
أحمد: أشربي إن شاالله تشربي موية زمزم ...
يلا يا عمي نحن ماشين قبل ما تمغرب بنجيك تاني ...
أحمد:
ما تقعدن أسويلكن شاي لبن
مريم :
شكرا بس نحن إتأخرنا والأهل بجو يسلمو وما يلقوني
أحمد :
هاكن طيب شيلن المنقه دي معاكن
شكرا يا عمي ....
يأخذن بعضهن البعض وينطلقن إلى الحلة وسط النخيل والظلام يحل تدريجيا تدخل إيقاغ أغنية حمد الريح :
نحن راجعين في المغيرب
المغيرب المغيرب
لا حد يشوفنا
لا نشوفو ....
داخل النص :
يضج نيلك
يزيد عكرك
اذا ما اندهدهدت مطرك
صبح جرف المحنة قفار
تحت بصرك
يشيل باقي السمح
بحرك
أمانيك يلفحن تيار
حذاري تعكر الواطه
إذا غيم الولف هجرك
أزهري الحاج