الاثنين، 6 يناير 2014

مريم والبحر - الفصل الثالث


الفصل الثالث

 

مازال في جوفي أشياء لم تكن أن تختبيء لو لا أن البحر أراد ذلك أشياء كثيرة بعمق هذا البحر وموسيقا موجه وإنعكاس كل ذلك على مريم .

أن تسجن كل هذا العشق في دواخلك أفضل !! ليس رفضا للحرية فمن الطبيعي أن تحلق العصافير كيفما تشاء وأنى ماتريد . هذا عشق من نوع آخر إن أطلقته في هذا الجو المليئ بحمى التطفل الإنساني المشحون بواقع أليم واقع تبدو فيه الأحلام أضحوكة .

أشرقت هناك الشمس وكل أهل القرية منهمكون في أعمالهم الترابلة * يواصلون أعمالهم تحت شمس محرقة تأقلموا عليها جيدا ولا يضعون لها أدنى إهتمام .أصوات الوابورات أصبحت موسيقاهم التي تصدح لهم بالخير .

الأسطوات أو البنايين منهمكون في أعمالهم أيضا بجد يبنون المنازل من الجالوص كان أحمد المنصوري القادم من أرض المناصير أفضل وأمهر من يضع سريقة* في القرية كلها كأنه درس الهندسة.

تية : رجل أبنوسي مبتسم رغم مافعلته به الحياة ،أحد عمال كمينة الطوب قادم من أرض النوبة حيث سلسلة الجبال الشامخة كأهلها هذا الرجل فيه صفات قلما تجد في إنسان غيره يقوم بأعماله الشائقة وبدون إصدار أي أنين فقط له كلمات معدودات : المأيشة سعبه والهرب "الحرب " شردتنا من أرضنا بس هنا الناس كويسين على رغم إنو الحالة سعبة شديد هنا والحال واحد هنا وهناك بس الكويس مافي حرب هنا .

بدأ محمد الحسن في مترته منهمكا في عمله ينظف الجداول ثم يذهب إلى طرف البحر ليدور بابوره ليقوم بسقاية الزرع .

إنسالت المياه بإيقاع هاديء لتروي شوق الأحواض والزرع للماء وأمسك بطوريته التي عرفت مسام يديه جيدا وبدأ يفتح هنا ويقفل هنا بكل حيوية .

في منزله جا علي سيد صاحب الإتصالات يحمل الأخبار السارة لزوجته بخيتة بأن ولدها الحسن وأبنائه إتصلو وقالوا جايين يقضو الإجازة في البلد كادت الحاجة بخيته أن تزغرد من الفرح لولا أنها تذكرت ولد عمها الميت قبل فترة قصيرة في الحين تساقطت دمعاتها فرحا وصدقت عينها التي كانت تضرب من الصباح بعد أن أبلغها بالخبر علي سيد الدكان وهو يغادر نادته أقيف أديك كراك * أي هديتك فذهبت للحوش الجواني حيث أزيار البلح مليئة بما جادت به النخيل في العام السابق ، ملت كيسا له وكيس تاني طلبت منه أن يحمله للمسيد حيث الأطفال البركة يحفظون القرآن .حمل علي الأكياس وذهب وهو مبتسم ربنا يحفظك يا حاجة بخيته ويجيبم بالسلامة .

أسرعت في إشعال دوكتها لعواسة الكسرى وقلب القراصة لفطور أولادها وزوجها في المترا هنا يدخل إيقاع العقد الفريد:

القرقريبه قريبه

أحب القرقريبه قريبه

وفي أيدك فراشه تدور

والهبابه والعرق البنقط داك

ذي قمرية قوق قوق فوق السور.

أتمت عواستها وقامت بقلي الملاح البايت وهو ملاح ويكة ناشفة بي لحم شرموط ، ثم وضعته في صحن كبير ومن فوقه قراصة خمسة بوصة وتزينت جوانب الصيننة بطرقات كسرة

حملت الصينية فوق رأسها ثم نزلت لا تحت وهي متشوقة لإيصال الخبر لمحمد الحسن .

الساعة الحادية عشرصباحا هنا والشمس كأنها إلتصقت بالأرض العرق يسيل منه بغذارة وتفوح رائحة الطين المختلطة برائحة الزرع منه رائحة ذكية بكل تأكيد إنها رائحة الغبش لم تصنع في باريس ولاغيرها صنعت من الطبيعة .

وقف ناهضا وهو يرى من بعيد زوجته تحمل الفطور تأفف أخيرا جيتي تجيكي الرافعة ضنبا وهو لايقصد إيذائها فقط ظروف الحياة جعلته يقول هكذا .

مالك أخرتي الفطور كدي يا مرا ؟

الحاجة بخيته: ياراجل الواطة صباح لسه وجايبالك بشارة خير!

إندهش وأصبح يبحلق في وشها قولي سريع.

الحاجة بخيته :

الحسن أولادو ضربو قالو جايين البلد .

محمد الحسن :

يامرا إنت بتقولي صح ولا خرفتي

تطلق ضحكتها خرفت إنت أنا لسه شباب يا عجوز إنت .

محمد الحسن :

ربنا يجيبم بالسلامة والله إشتقت لي شوفت أولادو يكونو كبرو أسي الحاجة بخيته :

ياراجل القراصة بتبرد

يقف ناهضا ويطلع أعلى الجدول لينادي جاره سيدأحمد وهومن القرية الجمبهم جاء مزارعا في أرض عبدالفتاح الجزولي تاجر السوق .

عووووووووووك نهض سيدأحمد مجرد سماع الكوراك فرفع يده إلى أعلى .

محمدالحسن : قوم تعال الفطور جا

سيدأحمد: أفطرو أفطرو

محمد الحسن: علي الطلاق كان تجي

قطعت حليفة الطلاق كل شيئ .

جا سيدأحمد فرد التحية وتلقى هرشات من محمدالحسن شنو مالك تتعز ياها اللقمة الواحدة دي ولا غيرا .؟

ماتكون زول كعب

بسم الله يفتح الصينية لم يجد غير القراصة يا مرا إنت البصل العفن في البيت مافي .

كانت ممسكة بمنجلها وهي تحش فطور الغنم جنب البيت .

نسيتو ياراجل ما تكورك أقلع من الحوض وأقرش .

محمدالحسن : ما قت ليك خرفتي وعجزتي ياسيدأحمد ماتشوف لي مرة من قريتكم ديك مرة شابة كدا ومليانة وصدرا كبير ومنفوخ ! يريد بذلك إغاظة بخيتة ولكن لا تعطي له أدنى إهتمام.

سيدأحمد: ياعجوز إنت تاني الدايراك منو بعد العمر دا وبعدين بخيته دي مافي مرا بتقبل تبقى ضرة ليها مرة مالية مكانتا .

يضحك ويمشي على حيضان البصل يقلع كم حبه تم يجلس طرف الجدول ويغسله من الطين ويضع كردمة البصل على ركبته ليهشمها حتى يستطيعون أكلها بسهولة .... يتناولون فطورهم وهم يتبادلون أخبار البلد والسياسة .

محمد الحسن : والله ناس الإنقاذ ديل طلعو كضابين ساكت وغشونا في الإنتخابات الفاتت وعدونا بالكهربة والشفخانة وصيانة المدرسة المن زمن عبود ولا تاني جابولنا خبر بعد مافازو ولا قالولنا عينكم في راسكم .

سيدأحمد : هههههه أوعك تكون صدقتهم بس يا حليلك شان كدي أنا ماصوتا ذاتو عارفم كلهم كضابين مابتذكر جية الصادق وخطبتو الحماسية ووعدو لينا وبعد مافاز ماسمعنابو ذاتو إلا تاني سمعنا ديل قالو قلبوهو .

سيدأحمد:

ياهو حال السودان من ماقام والله الخرطوم البيقولوها دي حالتا أصعب مننا لمن زرتها قبل كم سنة بس في حتات كدي التقول مافي السودان .

سيدأحمد: ديك ياها أحياء ناس الحكومة وتجار الحكومة .

محمدالحسن: الله يلعنم كان ماصين دمنا كدي

رطل الزيت بي تمنية جنيه ؟! ويقولولك مصانعنا ومشاريعنا تكفي العالم .

سيدأحمد: تمنية جنيه بي تمنية شجرات

محمدالحسن :

يطلق ضحكة مدوية أي أي بس ياها ذاتا بركة البقت تمنية شجرات ماأكترمن كدي .

لكين كل الأحزاب دي واحد نفس فعايل ديل تلقاها عن ديل الصادق والميرغني عايشين أحسن عيشة ويسافرو برا ويجو غير الجناين والمزارع .

الصحن شارف على الإنتهاء فنهض سيدأحمد فمسكه من يده أقعد أحسن الصحن أنا ذاتي شبعتا .الحاجة بخيته كانت قد إنتهت من حش قش البهايم وربطته في حزمة كبيرة تعال يامحمد بضم الميم أرفعو لي فوق راسي يرفع القش فوق راسا وقبل أن تذهب بعدين لامن تجي البيت ماتنسى الصحن والصينية ذي كلو مرة هنا الكلاب تقعد تلحس فيها .

سمح يابخيتي .

جلسا قليلا في ضل التمرا وهما مازالا يتناولان السياسة وإنفصال الجنوب والحرب في دارفور مابين الحقيقة وتصريحات ناس المؤتمر الوطني ، حتى أدرك محمدالحسن أن مويتو يمكن كسرت في الحيضان . الأقوم أشوف الموية وأقلبا يمكن ملت .

سيدأحمد أنا ذاتي أقوم أشوف مشاغلي يذهبون .

هناك على الساحل في المدينة الساحرة بسواحلها وطبيعتها الجميلة الفقير أهلها ويموتون بأمراض العصر الحجري من سل ودرن وتتحدث الحكومة عن أنها المدينة السياحية الأولى بل دوحة أفريقيا والقادمون إليها ينبهرون من الحدائق المزينة والكورنيش على طول المدينة وصور واليهم تزين الشوارع ومعه رب الرقيص عمر ...يندهشون لجمال المنظر وأن البورت جنة يضحكون ويتسامرونويروحون عن أنفسهم وليس في بالهم أن هنالك أحياء سياحية على بعد أمتار من الكرنيش أحياء تنعدم فيها أبسط مقومات الحياة من ماء وكهرباء إنها الأحياء الهامشية لم يزرها أهل السياحة ليتهم ذهبوا إليها ليروحوا عن أنفسهم بذلك الكم الهائل من الأوساخ والمدارس التي حالها يغني عن الوصف ...المستشفيات أو إن صح المستنقعات هذا كله في عاصمة السياحة السودانية . هذا صبرا تأتيهم شبح الإزالة كل يوم تعكر صفوهم وصبرهم الطويل ...

يوم أن طالبوا بحقوقهم كانت لغة الرصاص هي ما يستحقونه والموت هو رد المطالب ... يا أهل الشرق ما أشبه حالكم بحال باقي الوطن وما أشبه أماني الجميع .

رغم كل الألم يبتسمون ويداعبونك بالكلمات وكرمهم لايوصف ...

في أحد الأحياء الهامشية كان علي ود عبدالله القادم من الشمال يسير ببطء في زمن عنوانه السرعة أثقلت الحياة أكتافه ولكنه مازال صامد ا وصابرا ذهب هناك لا يدري لماذا فقط ذهب كان من المفروض أن يكون الآن داخل أسوار الجامعة ولكن الجامعة تم تقفيلها بمسرحية كيزانية سيئة الإخراج بعد إثبات فشلهم في كل المستويات .

وجد خطاه تسوقه إلى أقصى الحي الطرفي الكل ينظر إليه يتهامسون من هذا الغريب لأنهم يعرفون بعضهم جيدا .

وجد سبيلا به زيرين وقف وملأ الكوز * تباللكوز* عذرا الإناء وغسل وجهه المتسخ من عرق الشمس وغبار الأرض ثم شرب حتى إمتلأت بطنه تماما لتسد مكان الجوع جلس قليلا ليرتاح وأثناء ذلك ظهر طفل في الحادية عشر من عمره ملابسه متسخة وأو في الحقيقة لا توجد ملابس لأن الزمن قد جزأها وساعدته الطبيعة من شمس وغيرها ، نظر إليه جيدا ثم ملأ الإناء بالماء وشرب وأراد المغادرة نادى عليه علي عبدالله : تعال ياولد

الطفل : ياا داير شنو !

علي : تعال بس داير أسألك .

الطفل : قول خلينا نمشي .

علي : إسمك منو إنت ؟

الطفل : تودي إسمي وين

يقاطعه : ياخي داير أبقى صاحبك

الطفل : إسمي أحمد

علي : ياسلام يافردة وأنا علي

أحمد : كويس في شنو!

علي : مالك ما عد تمشي المدرسة أسي أصحابك كلهم في المدرسة ؟

أحمد: مدرسة يمشو كيف وقروش مافي وكل يوم مدير طاردنا ويدقنا وأبوي مفلس شغل ما لاقي .

علي : تكاد دموعه أن تنزل هكذا هو الحال في كل مكان وا إسلاماه!! ويطلق ضحكة داخلية وفي ذهنه مدارس الكمبوني وغيرها وحال ديك من ديل تبا" لإله الرقيص عمر .

يبادره بسؤال ؟ طيب بتسوي شنو أسي ؟

أحمد: بشتغل نلم الخردة ألمونيوم ونحاس من الكوشه شان نبيع نجيب قروش للبيت .

علي : معاك منو؟

أحمد: ولاد كتار من الحلة بس فقدنا صاحبنا أبكر الملقب ب الجقر لصغر حجمه ... مات في الكوشة وكان شغال معانا ، قالو ضربت شمس .

علي : يتذكر أركان النقاش في الجامعة مباشرة هنا أمامه والكولنات ... شدي حيلك ياقطاطي ويابيوت الطين أقيفي ... باكر صباح الخير نطرد ليالي الشر .... لن نتكي مالم هذا الوطن ينجم ...متين إيد الغبش تتمدا لا قدام ... وطني ولا ملي بطني ... حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي ... الافكار والبرامج الحزبية مابين واقعي وخيالي ...

علي : ضيقو ليتسع الطريق ...صبرا قليل

أثناء ذلك التفكير والتخطيط ذهب الطفل بعيدا لم يدرك أنه ذهب منه وأصبح ينادي عليه تعال تعال الأقول ليك يظل الطفل يركض ويركض وفجأة ياالله ما الذي يحدث


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق